الثلاثاء، 19 يوليو 2011

الزنجي الأخرق*!


استطراداً لما سبق من سجالٍ بيني و بين ذاك الزنجي، فبعد قُبيل الشهرين، و إثر اجتماعٍ آخرَ أسبلتُ فيه معطفي، تم استدعائي إلى مكتب إحدى ذوات المناصب في كلية الطب و التي سلمتني مظروفاً بنياً من الورق المقوى كُتب عليه بالإنكليزية بخط يد أنيق: [من "روتومي" -و هذا هو اسمه- إلى "عمر المسلّم"]. فضضتُ المظروف و قد استشففتُ ما فيه قبل أن أقرأ حرفاً. فردتُ الورقة، فإذا هي مطبوعةٌ -هي الأخرى- بخط إنكليزي ذا -و الحق يُقال- أسلوبٍ جذّاب. مررت على السطور مروراً؛ إذ -كما أسلفت- كنت متوقعاً ما سيجيء.

إليكم نص ما جاء في الخطاب، و قد ترجمتُه
:


"كنتُ في مناسبتين سابقتين قد أنذرتك أن تُحكِم أزرة معطفك الطبي داخل معمل الجراثيم كما هو مُتطلبٌ من جميع العاملين في هذه الوحدة كإجراء احترازي اعتيادي. و حينما أمرتك باتباع اللباس الاحترازي المعمول به في معمل الجراثيم في المناسبة الثانية التي وقعت خلال الاجتماع الشهري للمعمل، رفضتَ رفضاً قاطعاً، فعجلتُ إلى استدعائك إلى مكتبي لمعرفة ما حداك إلى الإقدام على تصرف كهذا. و كما أذكر، فقد عزوْتَ صنيعك هذا إلى بعض الأساتذة معنا في الاجتماع لم يكونوا يلتزمون اللباس المخبري، فأرشدتك إلى الفارق بينك و بين أولئك "الأساتذة" و أنذرتك ألا تعود لخرق نظم السلامة التي كنتَ حُمِّلتَها و مهرتَها بإمضائك
.


إلا أنني، و في الاجتماع الشهري للوحدة المقام صبيحة اليوم، فوجئت بظهورك مسبِلاً معطفك الطبي بلا أزرة محكمة، فأشرتُ إليك أنْ أحكِمْها بيْد أنك تجاهلتني. ثم إني طلبتُ إليك بهدوءٍ و تأدبٍ أن تُحكِمها أو تغادر المخبر، ففضّلتَ -في الآن و اللحظة- مغادرة الاجتماعِ و المخبرِ أجمع
.


إن صنيعاً كهذا صنيعٌ مستقبح، و لن يُقابَل عدم احترامِك المتعمد لرئيس الوحدة و نشوزِك عن قواعد السلامة المفروضة بالصفح. فليكن هذا وعيداً مني إليك. و إنْ حدَثَ و فعلت فعلتك التي فعلت ثانية، فإني مُلزمٌ بإعداد تقرير رسمي بحالتك إلى إدارة المختبرات
.


تحياتي،
"


انتهى كلامه
!


لم أشأ يومها أن ألبث في مكاني ملتزماً الصمت كما الغر، فعزمتُ أمري -و بكل هدوء- على أن أرد على ما جاء في خطابه، فوجدتني أمضي إلى المشفى لأطلب مظروفاً و ورقةً مماثليْن، فلم يُلبَّ مطلبي
.


بيد أني، و بُعيْد يومين لا أكثر، وجدته رابضاً في مكتبه كما الجثة، فأحكمتُ اثنين من الأزرة كي تقر عينه و لا يحزن
.


و ضمَّ مكتبه كلانا فحسب
.


قدّمتُ إليه ـفي بادئ الأمر- اعتذاراً على ما كان مني، ثم جادلته بالتي هي أحسن، فقلت له: "هل أنت على أتم الاستعداد لتخسر جهود موظفٍ مخلصٍ لسبب تافه كهذا؟! إن إحكام أزرة المعطف يتذيل عندي -لتفاهته- قائمة أولوياتي، و أنت ذا تتجاهل كل محاسني لسيئةٍ رأيتَها فيّ، فهل يُعقل هذا؟! لتُلقِ نظرةً على سجليَ الوظيفي، و ستجد أني لم أتخلف دقيقةً واحدةً طوال سبعة الأشهر التي عملتُ فيها! أتناسيتَ كل هذا الولاء لأجل بضعة أزرةٍ في معطف؟!
"


طال به الصمت -بعد قولي هذا- حتى ظننته وثناً ماثلاً قبالتي إلى أن حلّ الله له عقدة لسانه، فقال -أخيراً- و بكل سذاجة و بصوته العميق الذي تمتزج فيه الأحرف: "ليست المسألة مسألة أزرةٍ في معطف، بل إنها مسألة مبادئ و أسس. إني أحضر قبل ميعاد دوريتي بساعةٍ تقريباً، فهل يُعَدُّ هذا ولاءً؟"، فتبسمتُ ضاحكاً من قوله و هدرتُ فيه: "و ما قولُكَ في من ينام داخل مركبته ليلاً كي لا يتخلف عن ميعاده؟". ما إن قلتها حتى قفز حاجباه دهشةً، غير أني تجاهلته و ختمت مجلسنا باعتذار آخر كالقذى يصيب منه العينين، ثم غادرته و هو في حيرته يتردد
.


ألا يا أيها الزنجي: دعك مني، فمالَك و مالي؟
!


ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) عذراً على اللفظة، و لكني لقّنتُ قلبي ألا يحابي و نسيت ما بين لِحيَي في فورةٍ من غضب!

هناك 5 تعليقات:

  1. محبك في الله عباس جعفر غلوم محمود حيدر24‏/07‏/2011، 11:05:00 م

    وحش

    بس ليش اعتذرتله

    ردحذف

اكتب ما بدا لك، لكن...بضمير!