السبت، 29 يناير 2011

ذاكرة النسيان*!

و يتكرر المشهد مرةً تَلُوها الأخرى، و ثالثةً تتبعها كرّاتٌ -مِن بعدها- تترى.

كثيراً ما تتسبب ذاكرتي لي بالمعضلات؛ فهي تسترجع -دونما زيفٍ، و لا لبسٍ، و لا تلفيق- صور الشخوص و ما تلفظتْ به ألسنتها، بل إنها لتزيد على ذاك حتى تغمرني بأدق التفصيلات التي قد يصفها الواصفون -و أظنهم محقين بعض الشيء- بالتافهة.

و ليت المسألة -إذ كانت- كفّتْ عند هذا الحد!

فمما زاد الطين بلة أن ذاكرتي قد نُسب إليها ما ليس فيها، فتم وصمها بأنها مُغرَقةٌ بالتهيؤات و الخيالات التي تلبسُ عليَّ الحق بالباطل و تمزجهما -من ثَمَّ- معاً، ثم تعجنني -أنا- في هذا الخليط اللامتجانس، فيبتلعني، حتى يسوقَني إلى أن أقولَ ما لم يكن و أذرَ ما كان.

و ليت المسألة -إذ كانت- كفّتْ عند هذا الحد!

فلقد أضحتْ ذاكرتي محطَّ شكٍ لا يقينَ فيه ممن تساوره الظنون، و أمستْ مثارَ سخريةٍ عند مَن يفتقد هذه المَلَكة المهداة من رب السماء، فغَدَتْ -في نظر الناظرين- ذاكرةً يعتريها الخطأ و يُجانبها الصواب في غالب الأحوال.

و ليت المسألة -إذ كانت- كفّتْ عند هذا الحد!

لقد أصبح مجرد وجودي يبعث على النسيان عند كل من يجالسني، و كأنما أنا محاطٌ بهالةٍ معكوسةِ الأقطاب عما يجول في ذاكرتي، فلا يعود للذكرى -بعد ذاكم- موقعٌ و لا محلٌ من الإعراب في عقل جليسي. هذا، و لا تنفك ذكريات جليسي أن تعاود الانسياب والتدفق كنهرٍ مع كل مَن هُم دوني و ينفلت السهم من نَبله، حتى لكأني أرى الذي للتو كان جليسي الصامت ينبش الثرى نبشاً باحثاً في ذاكرته عن ثمة ما يقال، مهما كان تافهاً!

غير أنني أتصدى لكل ذاكم، قائلاً في شممٍ إنه لولا عظيمِ اهتمامي -الذي اتضح لي أنه جرمٌ عظيمٌ في نظر الناظرين-، لما ادَّكَرْتُ أبعد مما تحويه هذه الجدران الأربعة التي تحوطني من كل جانب!

و يكون خطئي -أنا- أن لي ذاكرةً جبارةً في زمنٍ تسيّده النسيان؛ و يكون عزائي الأوحد -في ختامي هذا- أنَّ البشر هكذا هم -مُذ مدَّ ربيَ الأرض و أرسى جبالها، و بسط السموات العلى و سيّر غمامها- يكفرون بما لم يؤتَوْا و يصعُب إقناعهم بالذي أوتيتَ.

و لَكَم لكُم في صفحات التاريخ -تِلْكُم- صورٌ و عبر!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) إلى كل من يقرأ بعين البصيرة، و إلى كل من يعرفني حق المعرفة، هذا مقالٌ خُطَّ للبيان و التوضيح لا التقريع و التجريح!

هناك 5 تعليقات:

اكتب ما بدا لك، لكن...بضمير!