الخميس، 20 يناير 2011

عقلاءُ جهَلة*!

أفترض أنني قد توصلتُ إلى أنه لا يمكن للعقل البشري مكتملِ النضوج -بأي حال من الأحوال، و أياً بلغتْ حنكته، و براعته، و قدرته الاستيعابية- أن يتخيل إلى أي مدىً من الجهل يمكن أن يؤول هو -نفسُه- إليه.


فلقد قرأت -فيما أقرأ- قصتنا -نحن البشر-، حيث شيّدنا في بداياتنا، فيما قبل التأريخ، أُطُرَ أروعِ صور التخلف، و أبهى حُلل الجهل، و أسمى آيات الانحطاط؛ و كلها شواهد يحُطُّ بعضُها قدرَ بعض.

و ما لبثتْ هذه الشواهد -المُقامة على ركائز التخلف، و دعائم الجهل، و روافد الانحطاط- أن شكلتْ وجه البشرية الدميم في تيكَ الأحقاب السحيقة الغابرة إلى غير رجعة.

ففيما يختص بـ "عش الزوجية"، فقد رسم الإنسان الأول على صدر الزمن أبشع الصور، مما قد يهُدُّ ذاك الصرح المعروش عن بكرة أبيه ليدفنه في أسفل الأرَضين، فيذرَه قاعاً صفصفاً، كأن لم يكن.

لقد كان الإنسان الأول يعاشر ما لذ له من النساء، بلا ضميرٍ و لا وازعٍ و لا معرفةٍ تردعه، ما حدا بالأنساب أن تختلط اختلاط الملح بالسُكَّر.

ثم إن دور الواحد من الرجال في كنف الأسرة، التي كانت المرأة قوامها الأول وقتئذ، كان لا يتعدى دور المُنجب الأول من الشريكين. و لم تكن هذه الشراكة بالمعنى المعروف في زماننا؛ فقد اجتاحت الإنسانَ الأول الشيوعيةُ حتى في الجنس الذي يمارسه؛ فلا أزواج -هنالك- و لا زيجة، و لا أنسابَ -يومئذٍ- و لا ولد.

و ما لبث السلطان و الجبروت أن أصبحا مِلك يمين الرجل -الذي تباينت و تشكلت معالم فحولته-، فما انفك يستغلهما -السلطان و الجبروت- بعقلٍ دونما لجام؛ و تزامن هذا -آنذاك- مع شروعِ روافد الأسرة بالتفيؤ، فأضحتْ للرجل زوجةٌ آمنةُ القرار يلوذ بها و يسكن إليها.

غير أن معايير الرجل تجاه المرأة كانت تامةَ الاختلاف عما هي عليه الآن؛ فلقد كان -و يا لسذاجته!- يرى في البغِيِّ إقبالَ الرجال و فُضلى الخصال، و يرى في البكر -و يا لوضاعته!- فرارَ الرجال و قمة العار و الإذلال.

و يا له من منطقٍ تُعالَج به مقتضيات الأمور!

فاعتبر، ثم احمد الله على تدبيره، و الْهج بقولِ: "قل إنني هداني ربي إلى صراطٍ مستقيمٍ ديناً قِيَماً".

هذا، و لله الأمر من قبل و من بعد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*)
جميع المعلومات الواردة مُستقاةٌ بالكامل من (قصة الحضارة)، عدا أنني صغتها كَرةً أخرى.

هناك تعليق واحد:

اكتب ما بدا لك، لكن...بضمير!