بادِئَ ذي بِدء، و قبل كل شيء، فإنَّ هذا المقال
ليس لِمُسترضي الجماهير الغفيرة مِن الغاوين و لا للهائمين بالبَلاط الملكيِّ مِن
المتزلِّفين، و إنَّما هو لِقَومٍ يقضون بالقِسط و هُم به يعدِلون!
فإنِّي –و بعد التَّسليم الكامل بفساد السُّلطة
و فشلِها في إدارة الدَّولة فشلاً ذريعاً واضحاً للعَيان بيِّناً جلِيّاً، حتى
إنَّه لَيراه الضَّرير مِنَّا قبل البصير– أقول:
هل مجتمعنا هذا، و على الرَّغم مِن كُلِّ هذا
الفساد الشَّامل المستشري في تلافيفِه، مجتمعٌ مُؤهَّلٌ لامتِشاقِ سيفِ الإصلاح و
إشهارِ ذُؤابتِه في وجهِ السُّلطة نصْلاً برَّاقاً مصقولاً مُسَلَّطاً؟!
أوليس الفساد نابعاً من الفرد عينه الذي يُطالب
السُّلطة الفاسدة بترميم ذاتها؟! أولسنا –كشعب– نبحث جاهِدين عن قوانينَ تضبط
السُّلوك، و ما ساءلنا أنفسنا –و لو مرة– عن ضمائرنا أحيَّةٌ هي أم في عداد
الموتى؟!
انظروا في حال جُلِّ الطلاب: هل ترون إلا غشاً
مَقيتاً؟! ألَيْسوا يستعذِبون ذلِكُمُ الغِشَّ كما الماءِ الزُّلالِ يروي الأكباد
العطْشى؟! ألَيْسوا إنْ أُمِّرَ عليهم أستاذٌ صارِمُ الطَّبع، إذا هُم يفِرُّون
مِنه مُدبِرين؟!
ثُمَّ انظروا في حال جُلِّ الموظفين: هل ترون إلا
استهتاراً مُبيناً؟! ألَيْسوا يستسيغون ذلِكُمُ الاستهتارَ كما اللُّقمة السَّائغة
تسُدُّ البُطون السَّغبى؟! ألَيْسوا إنْ وُلِّيَ عليهم مسؤولٌ حازِمُ الخُلَّة، إذا
هُم يجأرون مِنه ساخِطين؟!
أمَا آن لنا –و نحن المجتمعُ الفاضِلُ في ظنِّ
أنفُسِنا– أنْ ننكأ الجِراح التي لطالما أنِفنا أنْ ننكأها، لا لشيءٍ سوى أنَّها
تستوطن مِنَّا أجسادنا؟!
أيُعقل في عقل الصَّحيح –على الكفَّة الأولى–
أنَّ مصير كُلِّ فسادٍ مجتمعيِّ المصدر: التَّغافُلَ و غضَّ الطَّرف و الموارَبةَ و المواراةَ و الإعراضَ و
التَّغاضي؟!
أيستقرُّ في فهم اللَّبيب –على الكفَّة الأخرى–
أنَّ مآل كلِّ فسادٍ سلطويِّ المبعث: الاستنكارَ و الافتضاحَ و الإفشاءَ و الإدانةَ و اللَّمزَ و
التَّشهير؟!
أوَهذا هو الميزان الحَقُّ الذي ما فتِئتُم به
تتشدَّقون؟!
أوَهذا هو القِسطاس المستقيم الذي إليه
تحتكِمون؟!
فويلٌ لكُم –إذن– أيُّها المطفِّفون!
إنَّنا –و أصدَعُ بها مُوقِناً– مجتمعٌ أُترِفَ
حتَّى استمرأ الفوضى، فلا يستطيع في كَنَفِ القانون حياةً و لا مَعاشاً!
إنَّنا نبدأ بإصلاح الآخَر دائماً، و نتناسى أنَّ
أنفُسَنا بالإصلاح أولى؛ فما لم يبدأ ناصحٌ بأمره فأصلحه، فليس –و اللهِ– مُصلحاً
صادقاً!
و لا تسوقوا ليَ البيت الشِّعريَّ القائل: «إذا
كان ربُّ البيت بالدُّفِّ ضارِباً، فشيمة أهل بيته الرَّقصُ»؛ فما لَم يطرَبوا
لِضربِه، لما على أنغامِه تراقَصوا!
و أخيراً، فإنَّ كَون أفراد السُّلطة كمِثل
الأبالسةِ الشَّياطين تتقافَزُ في نيران الجَحيم، لا يعني –بحالٍ– أنَّ المجتمع ملائكةٌ نَورانِيُّون يمشون في طُهرِهم مُطمئنِّين!
فاعدِلوا –أيُّها المصلِحون–: هُو أقرَبُ
للتَّقوى، و لا يُنسِيَنَّكُم عوارُ الآخَرين عوارَ أنفُسِكُم إنْ كُنتُم،
بإصلاحِكُم الذي تزعُمون، صادِقين!
و تذكَّروا أنَّه لن يستقيم رأسُ
الهرم و اللَّبِناتُ دونَه مِعوجَّة!
ذلكم ذِكرى للذَّاكرين!